Sunday, August 24, 2008

بين قوسين قصة قصيرة

بين قوسين
قصة قصيرة
لم يترك لي القدر حرية الاختيار قالها هذا الشاب في تلك الليلة المليئة بالغارات الجوية والأعيرة النارية التي كانت تدوي
في سماء المدينة في تلك الليلة , خطواته الثقيلة في تلك الليلة كانت غريبة حقاً , الرجال , والنساء , والأطفال , يتدافعون في الشوارع للبحث عن مكان للاختباء فيه , الجميع يملئهم الذعر والخوف مما يحدث , عدا هو , ظل بخطواته الثقيلة متجهاً إلى تلك البناية التي وصل إليها الآن , دخل الشاب البناية التي كانت مظلمة كباقي البنايات في ذلك الوقت المشتعل , بدأ في صعود السلم , وضع قدمه على أولى الدرجات , صوت طفل يبكي يسمعه بوضوح , ظل يبحث في عتم الليل على ذلك الطفل لم يجده فانطلق صاعداً إلى وجهته , وصل إلى أول أدوار البناية فوجد الطفل يلعب ويلهوا , كان طفلاً جميلاً حقاً , شعره معقوداً من الخلف بطريقة "ذيل حصان" وجهه مليء بمساحيق التجميل , تلاعبه فتاة عمرها لا يتجاوز السادسة عشر , نظر إليهما الشاب بذعر كبير , الطفل يشبهه كثيراً , والفتاة لم تكن سوى شقيقته , نظرت إليه الفتاة وقالت بحزن كبير "لم أكن أقصد أن يكون مصيرك هذا , كنت أدللك فحسب , أخي أرجوك سامحني" دموع الفتاة جعلت قلبه يعتصر من الحزن , هرول إليها , فتح ذراعيه ليحتضنها ولكن الصورة ذابت أمامه كما لو لم تكن موجودة , صرخ الشاب , وانسابت دموعه لتبلل خديه , ظل يصرخ "أنتي وأخوتك السبب فيما أنا فيه , لماذا جعلتموني هذا المسخ , لماذا جعلتموني هكذا , أنا أكرهكم ... أكرهكم جميعاً , أذهبوا إلى الجحيم , لا أريدكم " قالها ومسح دموعه وصعد ليتم رحلته التي بدأها , الظلام يسيطر على كل شيء , استمع إلى صوتاً كان يعلمه بشدة , كان الصوت أجش أشبة بصوت حيوان قادم من الجحيم , كان يسب امرأة قائلاً " أنتِ من جعلتي منه شاباً رخواً لا يتحمل المسئولية , أنتِ امرأة مستهترة , وهذا الشاب المخنث من صنع يداكِ " الشاب عندما استمع إلى الصوت كان الخوف يملئه , لقد كان صوت والده , الذي طالما ضربه وأهانه , خاف الشاب , ولكن الغضب تمكن منه , فصرخ بأعلى صوته لعل الصوت يسمعه "أنت السبب يا هذا , أنت من جعلتني هكذا , لقد منعتني من اللعب مع من في سني , لقد منعتني من كل شيء , هل نسيت ضربك لي واتهامك أنني ضعيف لا أقدر على فعل شيء , أنت من زرعت داخلي الخوف والذعر من كل شيء , أنا أكرهك وأكرهها وأكرهكم جميعاً" لم ينتبه الصوت إلى ما قاله الشاب , وأكمل ولكن موجهاً حديثه لآخر "أنت شاذ , يا فضيحتي , ماذا كنت تفعل أنت وهذا الشاب يا ملعون , جهنم هي مصيرك , أنت شيطان رجيم , أخرج من منزلي" صوت الرجل أصبح مصحوباً بأصوات عديدة فهذا يقول "لا تقتله يا أبي لا تزيد فضيحتنا" وتلك تقول "أنت السبب في عاري وعار العائلة أقتله يا أبي أقتله" وصوت أخرى تقول "لا تقتله أرجوك , سأعالجه مما هو فيه , لا تقتله أرجوك , لا تقتله" سكتت الأصوات والشاب أصابته حالة انهيار تامة , لم يحتمل جسده كل هذا فسقط منهاراً , وظل يصرخ "لا تقتلني , لا تقتلني" تذكر وقتها لقائه مع ذلك الشاب , لم يقم بعلاقة جنسية معه , كان الحزن وقتها يملئه , وكان هذا الشاب جاره وأعز ما لديه في دنياه , ظل الشاب يحكي له عما يؤرقه في حياته , كان يشعر أن لديه مشاعر مزدوجة , كان يشعر بأن داخله أنثي , ظل يحكي لذلك الشاب عما يمر به , فما كان من صديقه إلا أن أخذه بين أحضانه وظل يمسح في دموعه , حاول الشاب تقبيله ولكنه أبعده برقة فما كان من هذا الشاب إلا أن أحتضنه بشدة وظل يقبله حتى دخلت شقيقته فصرخت لأباها وتجمعت العائلة , تذكر الشاب لحظات طرده من المنزل , بعدما فشل والده في قتله , تذكر نظرة عائلته جميعها وهم ينظرون إليه نظرة مليئة بالحقد والكراهية , تذكر كلمات والده التي قالها في تحدي "لو رأيتك في أي مكان في المدينة سأقتلك , هيا يا ملعون أغرب عن وجوهنا ولا تلوثنا" تذكر الشاب كلمات والده فهب واقفاً وقد عاد إليه التحدي لإتمام غايته , تابع الشاب صعوده على السلم فاستمع إلى صوت يحبه كثيراً , نظر إلى الصوت فوجده صديقه الذي نظر إليه نظرة دافئة وقال له "حاول أن تعيش وأن تخلق لنفسك عالمك الخاص" شعر الشاب برغبة في أحضان ذلك الشاب ولكن الشاب بدوره اختفي , استمع الشاب إلى الصراخ في الشوارع , إلى أصوات الرصاص التي لم يسمع غيرها طوال شهرين , تذكر الشاب لحظات البحث عن الطعام في مخلفات المطاعم , وفي القمامة , تذكر الشاب نظرة السخرية من عيون الجميع عندما يذهب للبحث عن عمل يؤهله لأن يعيش , كان جميعهم يرددون نفس الكلمات , كانت كلماتهم تقتله , كانوا جميعهم يصفونه ب "المخنث" , كانت يحاول دائماً أن يشرح لهم أن مشيته تلك بسبب مرض وليست تخنثاً ولكن لم يستمع إليه أحد , لذلك وبعد عناء طوال شهرين قرر أن ينهي حياته وأن يختار ولو لمرة وحيدة شيئاً في حياته , وصل إلى سطح البناية , السماء ملبدة بالغيوم , والأمطار تهطل بغزارة , وقف الشاب ورفع رأسه إلى السماء صارخاً بقوته التي أنهكها الجوع والخوف والبكاء "لما خلقتني , هل خلقتني لتعذبني في الدنيا , لم أختار أن أكون هكذا فلماذا تعاقبني , لقد تعبت من كره الجميع لي , لقد تعبت من بعد الجميع عني , لقد تعبت من كل شيء , أرحني أرجوك , لقد تعبت من تلك الحياة , لقد كرهت الجميع , لماذا أبقيت علي إلى الآن , هيا خذ روحي , هيا أريد أن أموت" سكت لحظات بعدما سقط جسده الهش على الأرض , ولكنه أكمل ما بدأه قائلاً "ألم تقبض روحي الآن , إذاً لن تترك لي حرية الاختيار" قالها الشاب وهرول إلى صور البناية ووقف عليه
مترنحاً منتظراً وقت الخلاص ,,,,,
تمت
حمادة زيدان
عفواً عزيزي القارئ هل أزعجتك تلك القصة ؟!! هل شعرت بعدها بالتقزز مما قرأت ؟!! هذه القصة ليست من وحي خيالي ... وهذا الشاب موجود وعايش بيننا الآن تفصله بيننا الآف الكيلو مترات يعيش هذا الشاب في لبنان وتحديداً في طرابلس , يعيش في الشوارع , لا يوجد من يرعاه , لا يجد من يطعمه , يعيش على فتات من يأكلون , ليس لشيء ولكن لأنه مثلي الجنس ... طرده الأب وكاد أن يقتله , أثرت في قصته , وتخيلت هذا الشاب أخي , أو أحد أصدقائي أو حتى أنا , ووجدت يدي تخط تلك السطور لعلني أستطيع أن أدق ناقوس الخطر واسألكم مجموعة من الاسئلة
أولاً : هل توافق ذلك الأب في قتل أبنه عندما اكتشف مثليته ؟
ثانياً : ماذا تفعل لو وجدت ما بين أفراد عائلتك مثلي الجنس ؟
ثالثاً : ما هي نظرتك لمثلي الجنس هل هم
مرضى نفسيين يستحقون العلاج
مجرمون يستحقون العقاب
عصاة يستحقون القتل
معلش بقي طولت عليكم ... بس أنتوا واحشتوني جداً , جداً , جداً ... حكاية الشاب دي
سمعتها في برنامج عندما يفتح الملف على قناة الجرس للإعلامي الكبير جو معلوف
تحياتي
حمادة زيدان

Thursday, August 14, 2008

حكاية روح

في البداية وقبل ما أنزل البوست ده ... أحب أهني كل الأهلاوية على الهزيمة الجميلة إللي أتغلبوها أمبارح , وكمان بهنيهم أكتر على أداء الجمهور العالي وبقولهم "فعلاً أنتوا أكتر جمهور محترم في مصر" نيهههههههههههههه ضحكة شماتة دي ... وكمان بعتذر للجميع على تأخري ... والقصة دي حمضانة برضوا من المدّونة القديمة
حكاية روح
قصة قصيرة
قلم
حمادة زيدان

يوماً من أيام الشتاء الباردة , جلست أنظر إلي الأمطار , والسحب التي تتنقل من مكان لمكان , وفجأة ودون مقدمات وجدت أجمل ما رأيت في حياتي , فتاة جميلة تسحرك طلتها , تبهجك ابتسامتها , لم أرى في حياتي مثلها , وجدتها تقفز بين السحب , كأنها طيراً يغرد في ربيعاً بارد , جمالها أنساني الخوف والذعر منها , لم أستطيع أن اسألها من هي وكيف هي فوق السحاب , تراجعت عن سؤالها , ودخلت غرفتي , ولكنني وجدتها تنظر إلي وتتقرب إلي , وقفت مذهول لا أدري ماذا أفعل , وجدتها تتحدث إلي
"صغيري لماذا تنظر إلي , هل أنت لا تعرفني , وكيف لا تعرفني وأنت من وجدتني"
هي سألتني هذا السؤال ولم أدرى بما أجيبها أنا لا أدرى هل هي من الإنس أم أنها من الجن أم هي ملاك من الملائكة
.أنا سأحدثها كاد لساني أن يصمت عن الكلام , وهي تنظر إلي , وكاد قلبي أن يتوقف من الخوف , ولكنني يجب أن أحدثها هناك شيئاً غريباً يشدني إليها....
حدثتها وخوف الدنيا يملئني
"
من أنتِ يا جميلة الجميلات , وكيف لي أنا الضعيف أن أوجدك من العدم, وهل أنتِ من البشر لا أظن لأنكِ أجمل من كل البشر , هل أنتِ من الجان لا أظن مستحيل أن يكون من الجان من في برأتك , إذن أنتِ من الملائكة .... أجيبيني يا جميلة"
لم تصمت الفتاة كثيراً
"
, نظرت إلي نظرة أنستني كل العالم , وبصوت لم أسمع مثله في حياتي تحدثت وقالت...أنا يا من تتحدث , "أمنياتك" التي لم تتحقق , أنا طموحك الذي توقف , أنا حياتك التي لم تعشها بعد , أنا كل شيء تمنيته ولم تحققه طوال حياتك "
ماذا تقول تلك الجميلة بحق السماء , كيف تكون هي أمنياتي التي لم أحققها هل معني ذلك أنني لم أحقق أمنياتي , وطموحي أين ذهب هل لم أحقق طموحي الذي حلمت به , وكيف تكون هي كل شيء في حياتي , وأنا لم أعش حياتي بعد , صدمني حديثها لذلك قلت لها
, , , , , , ..."أنا لا أصدقك يا جميلة , أنا شاب ولدي من العمر الكثير لأحقق فيه أمنياتي وأحلامي , أنا ما زلت حياً وحياتي أمامي فكيف تظهرين علي وتخبريني بما قلتي"
لم يتغير وجهها الجميل ,ولا نظارتها المعبرة , ولا ابتسامتها التي تحي القلوب من بعد موتها , وقالت لي
, , , "أنا يا صغيري لم أظهر لك بل هو عقلك الباطن هو من صورني إليك , أنت بالفعل في ريعان شبابك ولكنك قاربت علي النهاية , لذلك تخيلتني"
بخوف وذعر
"
, سألتها..وهل أنا سأموت , هل أنا مريض , يا ألله , أنا في غرفتي وأشعر أنني بخير فكيف تقولين ذلك"
أجابتني وهي تذرف دموعاً علي
, وقالت
"
أنت الآن يا صغيري لست بغرفتك , بل بغرفة العناية المركزة , أمك وأخوتك يجتمعون حولك ..... هل تشعر بهم , أمك بجوارك تقرأ لك القرآن , وأخوتك يبكون عليك فهل تسمعهم , هل تشعر بتوسلاتهم لله لينجيك قم يا صغيري , فتح عيناك , حاول أن تودع منهم , حاول تقرأ القرآن , صغيري لا تجعل الموت ينسيك الله , صغيري قاوم , تحامل علي نفسك لتقوي على الشيطان , صغيري هيا تشاهد , أنا أعلم أنك صغير ولكن هذا قدر الله فهل سترد قدره.."
أنا خائف من مقابلة الله
, أنا في حياتي تكاسلت كثيراً عن الصلاة , لم أصوم رمضان بحق , إني خائف ....................أيسامحني الله"
بكت الفتاة بكاء صامت
, ومسحت عن جبهتي العرق , ثم أجابتني
"
"
صغيري لا تقنط من رحمة الله , ولا تيأس , حاول أن تموت علي إسلامك , حاول أن تتشهد , هيا يا صغيري , هيا يا صغيري ,هيا يا صغيري"أحاول الآن التشهد , يا "ألله" لا أستطيع , لساني أثقل من أن يقولها , ساعديني يا جميلة , ساعديني يا أمنياتي المفقودة , ساعديني يا طموحي الذي لم أحققه , ساعديني يا ملاكي"
أراها الآن وهي تبعد
, وصورتها تبتعد عني وتبهت , وكان آخر ما سمعته منها
"
"
لا تقول ساعديني يا صغيري , بل قل , ساعدني يا ألهي , أنا من خلق ضميرك , وأنت من خلق الله , فلا تطلب العون إلا من الله , هيا يا صغيري تشجع وستجد العون من الله"بعدت الجميلة عني , بدأت أشعر بمن حولي , أشعر أن جسدي بارد كبرود الثلج , أحاول أن أفتح عيناي لا أستطيع , أشم أنفاس أمي تحاول يدي أن تلمس يدها لا أستطيع , أسمع صوت أخوتي جميعهم يدعون لي , أشعر أن جسدي يؤلمني بشدة "يا إلهي" ساعدني أطلب منك العون , لساني يعجز عن نطق الشهادتين , أشعر بألم في لساني ...... يا ويلي هل سأموت بدون نطق الشهادتين "يا إلهي" ساعدني , أسمع صوت أخوتي ينادون على الطبيب , وأمي تدعوا لي بالرحمة "يا إلهي" ساعدني .... أشعر بأن شيئاً يأخذ مني ..... وبصعوبة حاولت أن أقولها "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" شعر كل من بالغرفة بصوتي الضعيف , ولكنني بعدها وجدت جسدي وقد أنهار وبعد عن هذه الدنيا , ووجدتني أخيراً جسدي يهدأ ويرتاح , ووجدتها أمامي ........... ملاكي
الحارس وجدتها وقد لبست ثياب بيضاء وتنتظرني في دنيا جميلة بعيدة عن تلك الدنيا"..

انتهت

Wednesday, August 6, 2008

القطار قصة قصيرة

أعتذر للجميع عن التأخير في الجزء الرابع من "حميدة" علشان شوية ظروف كدة ... هى ظروف كويسة مش وحشة يعني ,,, بنعمل نيو لوك لبيتنا ... والنت متوصلش لسه ... هو الجزء الرابع خلص بس ع الجهاز , والجهاز في البيت , والبيت مفيهوش نت , والنت في السيبر , والسيبر .............. خلاص كنت هغني , أنا قولت أنشر قصة من المكتوب لحين صدور الجزء الرابع من حميدة
قصة قصيرة
قلم
حمادة زيدان

"والله أنا مش عارف إحنا مستنين القطر ليه ؟... ما تيجي يبني نركب ميكروباص , أنت مش شايف الزحمة دي"
" يا سيدي الزحمة دي أهون خمسين مرة من الميكروبصات , ولا أنت ناسي أبن عمك والحادثة إللي كانت السنة إللي فاتت"
" خلاص مع أنه قلبي مش مطمن "
"يا عم ما تخافش الأعمار على الله "
شابين من صعيد مصر يعملون بالقاهرة , الشابين لديهم من الشهادات ما يكفيهم للعمل في أفضل الأماكن ولكن لوجودهم داخل مصر لم يستطيعوا سوى العمل بائعين داخل أحد محلات الملابس بالقاهرة الكبرى , هم الآن يودون العودة إلي موطنهم بالصعيد لقضاء يومين من الشهر الكريم داخل منازلهم ووسط عائلتهم
يوجد على رصيف محطة رمسيس الكثير من هؤلاء فهناك يقف هذا الرجل الذي يعمل بواب بأحد العمارات الضخمة بمدينة نصر وزوجته التي تقف بجواره , وهناك هؤلاء الشباب الذين يلعبون الآن على رصيف المحطة وهم يتضاحكون بأصوات عالية جعلت منهم نجوماً على رصيف القطار , وهناك الكثير والكثير من الشخصيات الذين تفرقوا في أشياء كثيرة ولكنهم اجتمعوا في شيئاً واحداً ألا وهو الفقر
هو الآن قادم , نعم أرآه الآن بدأ في الظهور الآن , بدا لي كما لو كان كائن عملاق أسطوري قادم من الجحيم , كل من كان علي الرصيف يتأهبون الآن لدخول معركة حامية , بل هي معركة العمر كله .
"أستعد يبني القطر جاي أهوه ياللا استعد , أول ما يجي أمسك أنت الشنط وانا هاتشعبط واحجز لك , بس حاسب ع "الشنط لتتسرق
الفرق ما بين الرصيف قبل دخول القطار وبعد دخوله إلي الرصيف وركوب كل هؤلاء الركاب إليه كالفرق بين استاد القاهرة قبل مباراة كرة قدم بين الأهلي والزمالك وبعدها , الرصيف الآن خالي من الركاب ولا يوجد به سوى بعض الأفراد منتظرين القطار القادم , وبعض الركاب الذين لم يسعهم الوقت والمجهود لركوب هذا القطار.
"والله حرام عليك , أعمل فيك إيه , أنا مزنوقة ومش عارفه أتحرك والناس وحوش , القطر يخنق وكل الشبابيك والأبواب مقفولة , أنا حاسة إني معتقلة هنا , مش مسافرة"
"أنا والله معرفش أنه هايكون بالزحمة دي , ومش عارف ليه هما مقفلين الشبابيك والأبواب كده"
لا تستطيع أن تتخيل تلك الزحام الغفيرة داخل عربات القطار , ألوف من البشر تلاحموا وتزاحموا كما لو كانوا قطع من السردين داخل علبة معدنية , الأبواب جميعها مغلقة والشبابيك مغلقة والعربات لا يوجد بها أنوار , لا تستطيع أن تعلم من نائم ومن واقف ومن جالس , بحراً من البشر لا تحصى له رقم معين.
"يعني كان لازم نركب المخروب ده , أنا كان عندي أرمضن في الشغل ومارجعش في الزحمة دي , أنا الغلطان إني تبعتك ومشيت ورا كلامك"
لو رأيت محصل التذاكر وهو يعبر بين ممرات العربات لقلت عليه فارس من فرسان القرون الوسطي , يحاول المحصل أن يعبر بين هؤلاء النائمين في ممرات القطار , يضغط بقدمه فوق يد هذا وبقدمه الأخرى تجده يضغط على قدم آخر , لا ترى من المحصل سوى تلك البطارية الصغيرة التي يضعها دائماً بين أسنانه , ولا تسمع له صوت إلا عندما لا يدفع أحدهم ثمن التذكرة عندها تجد هذا المحصل وبأعلى صوتاً لديه يقول
"عاوز تسافر بلوشي يا روح أمك , ولا فاكرنا هانوصلك لبيتك من غير فلوس , هات يبني التذكرة ومتغلبنيش معاك داخلين على رمضان وماتتعبنيش معاك "
القطار يسير بسرعة كبيرة , وكل من فيه يدعون من الله أن يعودون بسلامة الله إلي منازلهم , معظم من يركب هذا القطار ذاهب إلي منزله بعد رحلة من العذاب في شوارع القاهرة , ولكن هذه الفتاة وهذا الشاب الذي يقف بجوارها تختلف ظروفهم كثيراً عن باقي القطار.
"حبيبتي أنا وانتي خلاص هانتجوز أنتي خايفة ليه؟!! حبيبتي إحنا مش بنعمل حاجة غلط أنا روحت طلبت إيدك من أهلك وهما اللي رفضوني , ها نعمل إيه يعني , نستسلم ليهم , ولا نخلي حبنا ينتصر"
"أنا مش خايفة من السفر والله , أنا خايفة من القطر , ومن الناس دي , أنت مش حاسس أننا في خطر طول ما أحنا هنا"
كان خوفها من ظُلمة المكان ووحشيته تضغي على خوفها من والديها بعد ما فعلته بهم , لقد ندمت الآن وعلمت أن والديها كانوا محقين في اختلاف الطبقات بينها وبين حبيبها فهي الآن ومن أول محطة بحياتهم تشعر بالملل وشعورها بالحنين لمنزلها بمصر الجديدة...
كما في الغابة من وحوش , وكما في السينما من أشرار , هم من يقوموا بدور الوحوش داخل القطار , مجموعة من البائعين , تجدهم داخل القطار , تشعر وكأنهم مالكي القطار , لا يخافون من الشرطة لأنهم ببساطة يدفعون وبسخاء لشرطة القطار , فتجدهم يحملون كل شيء ويبيعون كل شيء , وكان هذا البائع هو رئيس للباعة داخل القطار , له سلطات كثيرة على كل باعة القطار بل وعلى شرطة القطار وعلى محصلين التذاكر أنفسهم .
صوت هذا البائع في القطار , كزئير الأسد داخل الغابة , لم يفعل هذا الراكب إلا أن طلب من البائع زجاجه من تلك المياه الغازية الرخيصة , وبعدما شربها الراكب سأل عن سعرها , عندها فقط علم أن هذا البائع ينصب عليه فقد قال له أن ثمنها خمسة جنيهات , لم يعلم أن البائع سيكون بتلك الشراسة فلم يمهله حتى أن يحدثه في ثمن الزجاجة .
هؤلاء الشباب طلبة في جامعة الأزهر قادمين من جامعتهم في أجازة رمضانية , فهذا الشاب يدرس في كلية الطب , وهذا في الهندسة , وهذا في كلية الشريعة والقانون , جمعهم التعليم منذ أن كانوا في مراحلهم الأولى ولكنهم تفرقوا في المرحلة الجامعية ليجمعهم القطار مرة أخرى.
"يعني من يقول أنه في بلد محترمة في الدنيا تعمل كده في ولادها , إحنا يبني محشورين ولا يوم الحشر , يعني مش حرام اللي بيحصل فينا ده"
احمد عكاشة طالب بكلية الشريعة والقانون , وهو من كان يتحدث , طالب من الأخوان المسلمين دخل المعتقل أكثر من مرة بسبب أرائه المتشددة عن ما يحدث في البلد , أما عن زميليه فهما من أكثر زعماء الأخوان داخل جامعة الأزهر , وبرغم تفوقهم الكبير فهما دائماً كصديقهم داخل معتقلات النظام.
تجمع كثيراً من الركاب لكي يفضوا تلك المشاجرة العنيفة بين الراكب والبائع والتي من أسفرت عن إصابة الراكب بإصابات بالغة في رأسه .
مجموعة مختلفة من الشباب جمعهم القطار وسوء أخلاقهم , فهم جميعاً يعلمون أن من يركب القطار في تلك الفترة من العام يكون محمل بالأموال التي كانوا يكنزوها من عملهم بالقاهرة , لذلك هؤلاء الشباب موجودين بالقطار ومهمتهم هي سرقة هؤلاء الركاب.
محمد حسنين , شاب من هؤلاء , لم يتعلم في حياته سوى السرقة , لا يعلم له والدين , ولكنه ولد ووجد نفسه في الشارع ومن الشارع إلي القطار , هذا الوقت من كل عام هو الوقت المناسب جداً للسرقة , جمع هذا اليوم الكثير من الأموال , ولكنه بنظرة إلي تلك الفتاة التى وقف بجوارها فترة علم بأنها من الأغنياء وأن القدر قد بعثها له لكي تكون هي سرقته الأخيرة ويتوب إلي الله بعدها ..
لم يكن هذا الشاب يحلم في يوماً أن تحبه هذه الفتاة , وأن تترك والديها بسببه , هو شاب فقير بدأ حياته عند والدها في مصنعه مجرد عامل , ولكنه من خلال مهاراته وسرعة فهمه وصل إلي أن أصبح رئيساً للعمال وبعدها أتم تعليمه ليصبح فيما بعد من أهم رجال والدها ...
كان أول لقاء بينهم عندما جاءت إلي والدها لتدرب في مصنع والدها , وكان هو مدربها , فحدث كما تحب أي فتاة أي مثل أعلي لها ومن كثرة حديث والدها عنه أحبته الفتاة ومن قبل أن تجرأ هذا الشاب وذهب ليطلب زواجها من والدها , الذي لم يرحب بذلك بل وطرده من عمله , وما كان منها إلا أن أقنعت الشاب بسرعة الهروب من والدها , وكان الهروب في هذا القطار نظراً لزحمته وعدم معرفة هوية من يركبون به.
وسط كل ما يحدث داخل القطار لم تشعر الفتاة بتحرش الشاب بها , بل ولم تشعر إلا بيديه وهو يخطف حقيبة يدها , من ذعرها لم تفعل شيء حتى أن الشاب سرق الحقيبة ولم يعلم حبيبها شيئاً عنها....
وصل القطار إلي محطة "الجيزة" أخيراً ولم ينزل منه أحداً من الركاب , ولكنه زاد عدد ركابه الضعف حتى أصبح القطار كالقنبلة التي ستنفجر يوماً ما في وجه المجتمع....
"والله مش عارف قلبي مقبوض وخايف أنا حاسس أنه هاتحصل كارثة النهاردة"
"يا عم ما تخافش رمضان كريم والدنيا كلها مبسوطة وراجعه لبيوتها فرحانة , استحمل شوية لغاية ما نوصل بلدنا قريبه معاها كام محطة , ونوصل يا باشا , وتروح تتجوز خطيبتك اللي أديلك خاطبها أربع سنين"
لم يعلم هذا الشاب المجتهد أن بعد تفوقه الدراسي ودخوله كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن تكون نهايته عامل في مصنع من مصانع الحلوى بمدينة السادس من أكتوبر , كان من طفولته متفوق , وبرغم فقر والده إلا أنه كان يسخر نفسه لخدمة وحيده فكان يعمل ليل نهار لخدمة هذا الولد , الذي كان يعتقد أن تفوق ابنه سيجعل له مستقبل أفضل , بعد تخرج ابنه من الثانوية العامة بتفوق لم يسمع كلام من حوله ولم يرضى أن يدخل ابنه كلية بجامعة أسيوط أو المنيا لتكون قريبة إلي بيته وتكون المصاريف أقل وكانت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية هي الكلية التي اختارها الأب والابن , والتي تفوق فيها الابن كعادته حتى كان تخرجه منها .
كان الشاب هو ثاني دفعته , فكانت أولى طموحاته العمل داخل أروقة الجامعة والتي كان يستحق العمل فيها , ولكنه لفقره ولعمل والده لم يستطيع العمل داخل الجامعة , فكانت الخارجية هي هدفه الثاني والتي فشل فيها لنفس الأسباب , مما جعله يعمل في مصانع الحلوى كعامل أجير دون علم والده ودون علم خطيبته التي كانت تعتقد أن خطيبها يعمل في الخارجية.
يعود الشاب مع المناسبات وها هو يعود محمل بالهدايا التي لا يحاول أن يجمع ثمنها من عمله بالمصنع , وتنتظره خطيبته التي استطاع بمساعدة والده أن يتم زواجه منها , وكان موعد الزفاف أول أيام العيد.
القطار يسير بسرعة قوية , الأبواب مغلقة , النوافذ مغلقة , الممرات ممتلئة , ولكن لماذا تشعر أن هناك كابوس قادم في ظلمة هذا المساء.
يقف الآن الركاب بجوار الأبواب , المحطة القادمة هي "العياط" , الأبواب مغلقة لبرودة الجو بالخارج , يحاول الركاب فتح الأبواب , الأبواب معظمها مغلقة , القطار يسير بسرعة كبيرة , الأبواب مغلقة , ما هذا هناك رائحة شياط قادمة من مقدمة القطار , الأبواب مغلقة , بدأ القلق يسري في قلوب الركاب , رائحة الشياط تزداد , الأبواب مغلقة , ينتظر الآن الركاب المحطة , أصوات قوية آتيه من مقدمة القطار , الأبواب مغلقة , هناك أصوات عويل نساء آتيه من مقدمة القطار , الأبواب مغلقة , هناك هواء ساخن أو لهيب قادم من المقدمة , هناك أمواج من البشر تجري هنا وهناك , يا الله القطار يحترق .
"كان المشهد مستحيل أن أجمع تفاصيله , كنت أجلس أنا وصديقي في العربة السادسة من القطار , ومع دقات الواحدة صباحاً سمعنا صراخ وعويل قادم من العربات الأولى , شعرت بالرعب أن وصديقي فقد رأيت بعيني أجساد محروقة تأتي إلي العربة التي كنا نجلس فيها , وبعدها وجدت النار بدأت وفي دقائق معدودة تقترب منا , من حسن حظنا كانت النافذة التي بجوارنا مفتوحة .... لم أعطي عقلي وقته للتفكير ففي ثواني معدودة قفزت من النافذة لأجد نفسي على الأرض وبعيداً عن القطار بسنتيمترات قليلة , كان جسدي يتمزق من أثر الصدمة , ولكنني حمد الله على سلامتي , ولكن أين صديقي , ألم يقفز خلفي , حاولت أن أقف لأبحث عنه ولكنني لم أستطيع الوقوف وغشيا علي لأجد نفسي بعدها في هذه المستشفي , لم يجدوا أثراً لصديقي سوي تلك الدبلة التي كان منقوشاً عليها أسم خطيبته , لقد فقدتك إلي الأبد يا صديقي
العزيز"
لم يشعر الصحفي الشاب محمد حمدان بمثل ما شعر به طوال حياته , على الرغم من وجوده في جريده معارضة فأنه لم يكن يشعر بحب للوطن بحق أو بحب للشعب الذي يكتب عنه , ولكنه بعد ذهابه لتغطية حادث القطار ومقابلته للمصابين وتصويره لأهالي الضحايا , تغير كل هذا , وأصبح هدفه الأول هو الانتقام ممن قتلوا من كانوا بالقطار.
"لم أجد ما أكتبه بعدما قاله الشاب , لقد ذهبت إلي أسر الضحايا ورأيت الجنائز التي كانت تخرج من معظم منازل البسطاء , جنائز جماعية لا تجد بها جثث ولكنك تجد بها أشلاء لجثث كانت يوماً بشراً يكدحون ويعملون ليل نهار , وجدت بيوتاً كانت معمرة وخربت , وجدت أطفال يبكون والديها , وجدت أمهات تبكي لفراق أبنائها , هؤلاء الفقراء دمهم في عنق هذا النظام , المشاهد التي رأيتها في صعيد مصر في المستشفيات العامة وفي منازلهم لا تزال في مخيلتي ولا تجعلني أنام ليل أو نهار"
لم يكن التقرير الذي كتبه لجريدته هو آخر ما فعل , فقد بدأ من يومها حملات مكثفة على وزير المواصلات وبدأ في البحث عن فضائحه حتى أن جريدته تم غلقها , لم يكن ما فعله الصحفي سوى بداية لما حدث بعدها , فقد انتشرت المظاهرات في مصر كلها تندد بوزير المواصلات وتطالب بإعدامه , وكانت النهاية المأساوية لهذا البطل , عندما صدمته سيارة مجهولة.
لم تكن جنازة هذا البطل تقل عن أي شهيد من شهداء مصر , وخرجت ألوف من المواطنين البسطاء ليشيعوا جثمانه , وكان آخر ما كتب في مذكراته "لم أكن أفكر يوماً أن أكون بطلاً , أو أن أنقذ برئ ولكنني بعدما رأيت من حرقوا في القطار وبيوت الفقراء التي خربت , لم أفكر في نفسي من يومها وكان كل تفكيري هو نهاية الظلم , وحساب المسئول عما حدث , وأنا إذا حدث لي شيئاً , فلم أندم ولو للحظة عما فعلته , ولم أشعر إلا بالفخر عما فعلت"
تمت

Friday, August 1, 2008

أعتذر للجميع

لظروف خارجة عن أرادتي تم تأجيل الجزء الرابع من
حميدة
إلى الأنتهاء من تلك الظروف
وشكراً للأهتمام
أخوكم
حمادة زيدان