Monday, July 18, 2011

محمد وعيسى ... بالعكس

(1)
جلس محمد ما بين يدي شيخه وفي درس الأربعاء ، قال الشيخ بعد أن أحمر وجهه ، وزاد صوته غلظه:
- جميع النصارى مشركين ، فقد قالوا الله ثالث ثلاث ، وأعيادهم ، وموتاهم ، وزواجهم  من نساءنا ، حرام ، وزواج رجالنا من نسائهم فيه إثم كبير ، كيف يترك الرجل العاقل النساء الطاهرات ، العفيفات ، ويتزوج ممن تقول الله ثالث ثلاث ، وتؤمن بصلب عيسى عليه السلام ، كيف ستربي تلك المرأة طفله ، وتكون مسئولة أمامه وأمام الله  ، يا أطفالي الأعزاء هؤلاء القوم لا يحبونكم ألم تسمعوا ما قاله العزيز ، الحكيم في كتابه الجليل (بسم الله الرحمن الرحيم) "وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ ولَا النّصَارَىَ حَتَّى تتّبع مِلّتهم"
هكذا قال الله في القرآن الكريم ، أطفالي ، هؤلاء لا يحبون ديننا ، ولا وطننا ، ونحن بالنسبة لهم غزاه ، وديننا بالنسبة لهم دين الإرهاب والعنف ، ووطنهم هو وطن الصليب ، والصليب رفُعت رايته في  أمريكا ودول الغرب أسيادهم ، وأسياد هذا (البابا) المشرك مثلهم وممثل الفتنة في مصرنا الحبيبة ، أطفالي أحذروا النصارى ، وأغلقوا قلوبكم أمامهم ، فلا تشاركوهم أعيادهم ، ولا أفراحهم ، ولا حتى تواسوهم في الأحزان ، أطفالي أوصيكم بذكر الله والبعد عن كل المعاصي ما قرب منها وما بعد .
انتهى الشيخ من درسه ، خرج الطفل من مسجده مكفهر الوجه ، كارهاً كل ما يراه من صلبان ،  شارعه في أوله مسجد ، وفي آخره كنيسة ، عند البيت التقى (عيسى) ذلك الصديق النصراني ، كاد أن يبتسم في وجهه كالعادة ويدعوه للعب كما هي عادتهم ، ولكنه تذكر ما قال الشيخ فأزاح وجهه من وجه صديقه ، وصعد سلالم بيته مسرعاً ، وبخبطات عنيفة فتحت الأم ، كان صليبها الذهبي الذي  يعلو صدرها ، أول ما رآه الطفل فخلعه بعنف ، وقال لها :
- أنتِ كافرة ، وأبي آثم ، أنتِ كافرة ، وأبي آثم .

(2)
في حضرة أسقف الكنيسة جلس (عيسى) ، اليوم هو موعد العظة الأسبوعية ، وعظة اليوم تحدث فيها الكاهن في التاريخ ، وقص الكاهن عن غزو العرب لمصر القبطية ، وتحويلها بقوة السلاح إلى دولة عربية ، وإسلامية ، تحدث عن الجزية التي أجبرت ملايين المصريين لاعتناق الإسلام ، تحدث عن الكنائس التي هُدمت لتزين بعواميدها المساجد ، تحدث عن (محمد) ذلك الرسول المزواج الشهواني الذي تزوج الكثيرات ومنهن من كانت 7 سنوات ، تحدث عن بن لادن وإرهابه للعالم المتحضر ، هكذا تحدث ، وأعلن الكاهن لأبناء المعمودية عن أمنياته لعودة مصر قبطية كما كانت ، وقال بعد كل هذا :
- مصر يا أبناء الرب ، بلدنا ، وهؤلاء المسلمين هم هكسوس هذا الزمان ، نحن يا أبناء الرب ضعفاء ، وحاجتنا للحماية الخارجية ستكون هي مطلبنا الأخير ، ثقوا في قوتنا بحلفائنا في الغرب ، ومصر القبطية ستعود قبطية كما كانت ، وسيكون رمزنا الذي سيجمع كل الأمم هو الصليب الذي صلب عليه "يسوع" لتفدي آلامه كل أبناء الصليب ، أبنائي ، أبناء الرب ، ثقوا في قوتكم ، واجعلوا من صليبكم شريعة للحياة .
انتهى الكاهن من عظته ، وشعر عيسى بالدوار ، دارت رأسه ومعها معتقداته ، جده مسلم ، هل الجد من الهكسوس ، وكيف يقاتل جده وأعمامه بقوة خارجية ، عقل الطفل لم يحتمل ، فزاد ضغط الدم الناتج عن ازدياد سكر الدم في جسده الضعيف ، فراح في غيبوبة سكر ، وعندما وصل إلى البيت وأفاق ، وجد الأم تنظر إليه حانية ، وقالت وهي تحاول أن تبتسم :
- السكر عملها معك ، وروحت في غيبوبة سكر ، أرجوك يا صغيري لا تهمل في صحتك .
ابعد عيسى وجهه عن وجه أمه ، وقال بصوتٍ واهن وضعيف :
- أنتِ من الهكسوس ، وأباك ، وجدك ، أهدموا الكنائس ، وكان رسولكم رجل مزواج ، أبتعدي عني ، قوة صليبنا ومن سينصره أقوى من قوة سيوفكم ورماحكم ، يا غزاة .

(3)
صعقت الأم مما سمعته ، وبصوتٍ غلبه الانفعال ، قالت الأم :
- أنا لست كافرة يا بني ، أنا مؤمنة ، وأؤمن بعيسى وموسى ومحمد ، ولكني اخترت أن أكون مسيحية ، وأن أصل إلى ربي بتعاليم يسوع السمحة والداعية إلى تفشي المحبة بين البشر جميعهم.
لم يهدأ ما قالته من انفعاله وصرخ (محمد) في وجهها :
- شيخي قال عنكم ، كفار ، وقال عن أبي آثم .
بحدة أجابت الأم :
- نحن لسنا غزاة يا ولد ، نحن ، أنا ، وأنت ، وأبيك ولدنا في هذا الوطن ، وجمعنا هذا الوطن ، وأبي ، وأبيك ، ولدا مصريين ، وعلاقتهم بالخالق هم ، وأنا ، وأنت نحددها ، قلبك هو نقطة وصولك للرب .
هدأ (عيسى) النائم فوق سريره مريضاً ، ولكنه عندما رأى المصحف في يد أمه ، أنفعل كثيراً ، وقال بصوته المنهك التعب :
- كيف تمسكين هذا الكتاب ؟! ، رب هذا الكتاب يدعوهم للجهاد ، وقتلنا ، أخاف منك يا أمي .
- يا بني صليبي هذا صُلب عليه المسيح ليكفر بآلامه عذاباتنا جميعاً ، يا بني لا تهين صليبي ، لقد تركت منذ مولدك تذهب للمسجد لأنك مسلم ، فلا تهينني لأنني نصرانية ، يا بني ، أباك أحبني أنت من محبتنا فلا تتحول إلى خنجر لطعننا .
لم يستمع (محمد) لما تقوله الأم ، وظل يثرثر بصوته الجهوري القوي الذي حاول أن يكون قريباً لصوت شيخه ، وكلما تكلمت الأم زادت حدة صوته ، حتى تعصبت الأم ، وصرخت قائلة  :
- تعالا معي يا ولد ، سأريك شيئاً لابد أن تراه ، هيا .
أطاعاها طفلها ، أمسكت المرأة بورقة بيضاء ، وبقلمها الأزرق ، رسمت ، سماء ، وأرض ، وبيوت ، وشجر ، وشمس ، وبحار ، وأنهار ، وبحيرات ،  ومسجد ، رسمت حوله رجالاً يلوحون بسيوفهم ، ومدافعهم ، ودبابتهم ،  رافعين شعارات مكتوباً عليها (الجهاد فريضة إسلامي) ، وكنيسة ، رسمت حولها دبابات ، ومدافع عليها الرايات الأمريكية والغربية ، وأخرجت بقلمها قذيفة من دبابة أمريكية قابلتها قذيفة إسلامية ، وظلت تخط بقلمها ما بين تلك القذيفة وتلك ، حتى صرخ (عيسى) وقال :
- حاسبي يا أمي الصفحة تقطعت .
لم تستمع الأم لصرخات طفلها ، وظلت تتحرك بقلمها ما بين تلك القذيفة ، وتلك القذيفة ، وقلمها يضغط أكثر على الصفحة ، وكلما ضغطت كلما تفتت الصفحة ، فتحولت إلى مجموعة من الوريقات الصغيرة ، عندها أوقفت الأم قلمها وقالت لطفلها :
- هل ترضى يا ولد بهذا ؟! ، وهل يرضى كاهنك بهذا ؟! ، بل وهل يرضى شيخ المسجد بهذا ؟! ، الصفحة لم تحتمل ما خطه قلمي وتفتت ، والكنيسة بما تحمله من هذا السواد في قلبك وقلوبهم ستحرق الصفحة وتفتتها دون أن ندري .
سكت (محمد) للحظات ، كان يسترجع فيهم ما قاله شيخه ، وفي لحظات هدوءه أصبح كالبركان الثائر ، وصرخ في الواقفة أمامه ، قائلاً :
- ولكن هذا هو الجهاد الأعظم كما قال شيخنا ، والوطن إذا تفتت لتكوين الإمارة الإسلامية وتطهير بلادنا من الكفر والكفار ، فيا أهلاً بالتفتت .
غضبت الأم ، وصفعت الطفل على وجهه رغم مرضه ونومته ، وقالت بصوتٍ منهك :
- كيف تتمنى لتلك الصفحة العظيمة أن تتحول إلى قطع صغيرة لا تُرى ، أنظر ، أنظر يا ولد لتلك الفتات أمام هواء المروحة ، لقد طارت ، لم تحتمل الهواء ، ما قاله كاهنك هراء ، وهذا الرجل لا يعلم شيئاً عن سماحة سيدنا المسيح ، المسيح هو المحبة ، فكيف يدعوا إلى التفرقة .
بكى (عيسى) وأغرقت عيناه بالدموع ، وقال :
- تضربيني ، وأنا مريض ، هل تعصبت لدينك ، وهل أغضبك قول كاهني ، فلماذا تزوجت والدي وهو لا يؤمن بدينك ، ولا نبيك ؟!
لم تحتمل الأم ما يقوله الابن ، ووضعت يدها على أذنها حتى لا تستمع لما يقول ، لقد شعرت أن حلمها قد تهدم فوق رأسها ، لقد اختارت زوجها رغم رفض الجميع ، الأم ، والأب ، والدين ، والعرف ، ولكن كان نداء الحب أقوى من كل هذا ، تزوجته عند محامي صديق ، وكان طفلها هو حلمها الذي حلمت أن تحققه ، كان الزوج مسيحياً وهي مسلمة ، اختارته بعد أن أحبته ، وقالت له يوم الزفاف :
- زواجي منك أخرجني من تعاليم ديني ، ولكنه لم يخرجني من تعاليم الله ، سأظل مؤمنة ، وسيكون كتب الله السماوية هي دستور حياتنا معاً .
أمن زوجها على كل ما قالت وعاشا سوياً في سعادة إلى أن أصابت زوجها رصاصة غادرة ليلة عيد القيامة ، وخرجت روح الزوج إلى السموات المقدسة ، وودعتها الزوجة الشابة ودموعها في عينها وعلى كتفها (عيسى) ذلك الابن الذي تمنت أن يفهم قصتها ويتذكر والده بكل الخير .
ظلت الأم تتذكر أيامها مع زوجها ، وهي تستمع إلى ما يقوله الابن ، الذي تمنت له أن يسكت وهو يتهمها بالتعصب الآن ، وهي التي حاربت التعصب طوال حياتها ، سكتت حتى استجمعت قوتها ، وقالت لطفلها :
- أنا ووالدك حاربنا التعصب الذي تتهمني به ، والدك مات هو وعمك (جوزيف) أمام كنيسة كانوا يدافعون عنها ، أبوك أحبني وأنا في قلب الكنيسة ، وتزوجني من راعي كنيستنا ، أبوك كان كل أحد يأتي الكنيسة معي للصلاة ، ربيناك على أن تختار كل شيء ، وتركناك عندما اخترت أن تكون مسلماً ، لا تتعصب أنت وتتهمني أنا بالتعصب ، هل علمك شيخك أن تهين أمك ؟ ، هل هذا هو الدين يا فتى ؟ .
انتهت الأم من قصتها ، ولم يقتنع الطفل ، قام رغم آلامه ، وقفز من فوق سريره ، وخرج من غرفته دافعاً بابها في وجه أمه ، سألته مترجيه :
- إلى أين ؟!
أجاب (عيسى) ذاهب إلى الكنيسة ، حتى أتخلص من وجهك الذي يذكرني برسولك الهمجي ، وأتباعه الغزاة .
 خرج (عيسى) من منزله ، وفي البيت المقابل لبيته خرج (محمد) ، كانا الطفلان غاضبان ، نظر كليهما إلى الآخر نظرة غل وكراهية ، وعلى باب الكنيسة ، وقف (عيسى) وبصوته الضعيف سأل (محمد) مستهزئاً :
- هل ستدخل لكي تحصل على سيفك الذي دخلتم به بلدي ، واستبحتم كنائسنا ، وأديرتنا ، يا إرهابي يا من تتبع بن لادن ، والظواهري .
كادت الدماء أن تنفجر من وجه (محمد) ، وغضبه أشعل جسده ، فجرى نحو (عيسى) وأمسكه من ياقة قميصه ، وصرخ في وجهه ، متحدياً :
- يا كافر ، يا عدو الله ، سأقتلك الآن حتى تكون عبرة لغيرك من الكفار ، والمشركين .
قالها ، واشتبك الجسدان ، في معركة عنيفة ، علت أصواتهم فأخرجت زائري بيوت الله ، خرج الجميع مدججين بالسلاح ، ووقفت الأم تنظر إلى هذا المصير وهي تمسك بصفحتها وتخط بقلمها بالقذائف من هنا لهنآك , ومن هناك إلى هنا حتى تفتت الصفحة فأمسكت بفتاتها ونثرتها فوق رؤوس المتعاركين .

تمت
حماده زيدان
15/7/2011