بين قوسين
قصة قصيرة
لم يترك لي القدر حرية الاختيار قالها هذا الشاب في تلك الليلة المليئة بالغارات الجوية والأعيرة النارية التي كانت تدوي
في سماء المدينة في تلك الليلة , خطواته الثقيلة في تلك الليلة كانت غريبة حقاً , الرجال , والنساء , والأطفال , يتدافعون في الشوارع للبحث عن مكان للاختباء فيه , الجميع يملئهم الذعر والخوف مما يحدث , عدا هو , ظل بخطواته الثقيلة متجهاً إلى تلك البناية التي وصل إليها الآن , دخل الشاب البناية التي كانت مظلمة كباقي البنايات في ذلك الوقت المشتعل , بدأ في صعود السلم , وضع قدمه على أولى الدرجات , صوت طفل يبكي يسمعه بوضوح , ظل يبحث في عتم الليل على ذلك الطفل لم يجده فانطلق صاعداً إلى وجهته , وصل إلى أول أدوار البناية فوجد الطفل يلعب ويلهوا , كان طفلاً جميلاً حقاً , شعره معقوداً من الخلف بطريقة "ذيل حصان" وجهه مليء بمساحيق التجميل , تلاعبه فتاة عمرها لا يتجاوز السادسة عشر , نظر إليهما الشاب بذعر كبير , الطفل يشبهه كثيراً , والفتاة لم تكن سوى شقيقته , نظرت إليه الفتاة وقالت بحزن كبير "لم أكن أقصد أن يكون مصيرك هذا , كنت أدللك فحسب , أخي أرجوك سامحني" دموع الفتاة جعلت قلبه يعتصر من الحزن , هرول إليها , فتح ذراعيه ليحتضنها ولكن الصورة ذابت أمامه كما لو لم تكن موجودة , صرخ الشاب , وانسابت دموعه لتبلل خديه , ظل يصرخ "أنتي وأخوتك السبب فيما أنا فيه , لماذا جعلتموني هذا المسخ , لماذا جعلتموني هكذا , أنا أكرهكم ... أكرهكم جميعاً , أذهبوا إلى الجحيم , لا أريدكم " قالها ومسح دموعه وصعد ليتم رحلته التي بدأها , الظلام يسيطر على كل شيء , استمع إلى صوتاً كان يعلمه بشدة , كان الصوت أجش أشبة بصوت حيوان قادم من الجحيم , كان يسب امرأة قائلاً " أنتِ من جعلتي منه شاباً رخواً لا يتحمل المسئولية , أنتِ امرأة مستهترة , وهذا الشاب المخنث من صنع يداكِ " الشاب عندما استمع إلى الصوت كان الخوف يملئه , لقد كان صوت والده , الذي طالما ضربه وأهانه , خاف الشاب , ولكن الغضب تمكن منه , فصرخ بأعلى صوته لعل الصوت يسمعه "أنت السبب يا هذا , أنت من جعلتني هكذا , لقد منعتني من اللعب مع من في سني , لقد منعتني من كل شيء , هل نسيت ضربك لي واتهامك أنني ضعيف لا أقدر على فعل شيء , أنت من زرعت داخلي الخوف والذعر من كل شيء , أنا أكرهك وأكرهها وأكرهكم جميعاً" لم ينتبه الصوت إلى ما قاله الشاب , وأكمل ولكن موجهاً حديثه لآخر "أنت شاذ , يا فضيحتي , ماذا كنت تفعل أنت وهذا الشاب يا ملعون , جهنم هي مصيرك , أنت شيطان رجيم , أخرج من منزلي" صوت الرجل أصبح مصحوباً بأصوات عديدة فهذا يقول "لا تقتله يا أبي لا تزيد فضيحتنا" وتلك تقول "أنت السبب في عاري وعار العائلة أقتله يا أبي أقتله" وصوت أخرى تقول "لا تقتله أرجوك , سأعالجه مما هو فيه , لا تقتله أرجوك , لا تقتله" سكتت الأصوات والشاب أصابته حالة انهيار تامة , لم يحتمل جسده كل هذا فسقط منهاراً , وظل يصرخ "لا تقتلني , لا تقتلني" تذكر وقتها لقائه مع ذلك الشاب , لم يقم بعلاقة جنسية معه , كان الحزن وقتها يملئه , وكان هذا الشاب جاره وأعز ما لديه في دنياه , ظل الشاب يحكي له عما يؤرقه في حياته , كان يشعر أن لديه مشاعر مزدوجة , كان يشعر بأن داخله أنثي , ظل يحكي لذلك الشاب عما يمر به , فما كان من صديقه إلا أن أخذه بين أحضانه وظل يمسح في دموعه , حاول الشاب تقبيله ولكنه أبعده برقة فما كان من هذا الشاب إلا أن أحتضنه بشدة وظل يقبله حتى دخلت شقيقته فصرخت لأباها وتجمعت العائلة , تذكر الشاب لحظات طرده من المنزل , بعدما فشل والده في قتله , تذكر نظرة عائلته جميعها وهم ينظرون إليه نظرة مليئة بالحقد والكراهية , تذكر كلمات والده التي قالها في تحدي "لو رأيتك في أي مكان في المدينة سأقتلك , هيا يا ملعون أغرب عن وجوهنا ولا تلوثنا" تذكر الشاب كلمات والده فهب واقفاً وقد عاد إليه التحدي لإتمام غايته , تابع الشاب صعوده على السلم فاستمع إلى صوت يحبه كثيراً , نظر إلى الصوت فوجده صديقه الذي نظر إليه نظرة دافئة وقال له "حاول أن تعيش وأن تخلق لنفسك عالمك الخاص" شعر الشاب برغبة في أحضان ذلك الشاب ولكن الشاب بدوره اختفي , استمع الشاب إلى الصراخ في الشوارع , إلى أصوات الرصاص التي لم يسمع غيرها طوال شهرين , تذكر الشاب لحظات البحث عن الطعام في مخلفات المطاعم , وفي القمامة , تذكر الشاب نظرة السخرية من عيون الجميع عندما يذهب للبحث عن عمل يؤهله لأن يعيش , كان جميعهم يرددون نفس الكلمات , كانت كلماتهم تقتله , كانوا جميعهم يصفونه ب "المخنث" , كانت يحاول دائماً أن يشرح لهم أن مشيته تلك بسبب مرض وليست تخنثاً ولكن لم يستمع إليه أحد , لذلك وبعد عناء طوال شهرين قرر أن ينهي حياته وأن يختار ولو لمرة وحيدة شيئاً في حياته , وصل إلى سطح البناية , السماء ملبدة بالغيوم , والأمطار تهطل بغزارة , وقف الشاب ورفع رأسه إلى السماء صارخاً بقوته التي أنهكها الجوع والخوف والبكاء "لما خلقتني , هل خلقتني لتعذبني في الدنيا , لم أختار أن أكون هكذا فلماذا تعاقبني , لقد تعبت من كره الجميع لي , لقد تعبت من بعد الجميع عني , لقد تعبت من كل شيء , أرحني أرجوك , لقد تعبت من تلك الحياة , لقد كرهت الجميع , لماذا أبقيت علي إلى الآن , هيا خذ روحي , هيا أريد أن أموت" سكت لحظات بعدما سقط جسده الهش على الأرض , ولكنه أكمل ما بدأه قائلاً "ألم تقبض روحي الآن , إذاً لن تترك لي حرية الاختيار" قالها الشاب وهرول إلى صور البناية ووقف عليه
مترنحاً منتظراً وقت الخلاص ,,,,,
تمت
حمادة زيدان
عفواً عزيزي القارئ هل أزعجتك تلك القصة ؟!! هل شعرت بعدها بالتقزز مما قرأت ؟!! هذه القصة ليست من وحي خيالي ... وهذا الشاب موجود وعايش بيننا الآن تفصله بيننا الآف الكيلو مترات يعيش هذا الشاب في لبنان وتحديداً في طرابلس , يعيش في الشوارع , لا يوجد من يرعاه , لا يجد من يطعمه , يعيش على فتات من يأكلون , ليس لشيء ولكن لأنه مثلي الجنس ... طرده الأب وكاد أن يقتله , أثرت في قصته , وتخيلت هذا الشاب أخي , أو أحد أصدقائي أو حتى أنا , ووجدت يدي تخط تلك السطور لعلني أستطيع أن أدق ناقوس الخطر واسألكم مجموعة من الاسئلة
أولاً : هل توافق ذلك الأب في قتل أبنه عندما اكتشف مثليته ؟
ثانياً : ماذا تفعل لو وجدت ما بين أفراد عائلتك مثلي الجنس ؟
ثالثاً : ما هي نظرتك لمثلي الجنس هل هم
مرضى نفسيين يستحقون العلاج
مجرمون يستحقون العقاب
عصاة يستحقون القتل
معلش بقي طولت عليكم ... بس أنتوا واحشتوني جداً , جداً , جداً ... حكاية الشاب دي
سمعتها في برنامج عندما يفتح الملف على قناة الجرس للإعلامي الكبير جو معلوف
تحياتي
حمادة زيدان