هبتدي البوست بحاجة بعيدة شوية عن القصة ... حاجة متناقضة جداً شوفتها في المترو تنويه في تلفزيون بيقول" لازم الشباب تحترم نفسها وتبطل تشغل الأغاني أو أي شيء ديني بصوت عالي علشان تحافظ على أذن الركاب"ده يا جماعة في المترو ... ونفس التلفزيون بتاع المترو , تنزل من المترو تلاقي المحطة عاملة زي الكبارية الأغاني اللي
بتكون مدفوع أجرها شغالة وبصوت عالي ... الظاهر الأغاني اللي بأعلانات مش بتتعب ودانا
حميدة
الجزء الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت سعادة حميدة بوجوده في مدينته وعلى قرب مسافة بعض الكيلو مترات من قريته الحبيبة قام قبل وصوله بالاتصال بوالده وأخبره بأن عمله سيكون بجوار بلدته – كان يعلم أن والده سيكون سعيداً به وهو عائد لحماية أمن بلدته من هؤلاء الذين اتخذوا الدين كستار لأفعالهم القذرة كانت كل هذه المعتقدات قد أكتسبها من تلك الدورة بالإضافة إلي ما لقنه له والده طوال حياته عن حب الوطن وحمايته ولو كانت بالدم .
وقف محمد مهران يطالب بطرس عبد المسيح بالأموال التي كان قد أخذها منه ولكن بطرس عانده ولم يوافق أن يعيد له أمواله ولم يكتفي بذلك بل وقف في وسط السوق صارخاً بصوته الفظ
"ملكش عندي فلوس يا محمد ... وأعلي ما في خيلك أركبه"
شعر بمحمد بضعف موقفه وشعر بطرس بقوة موقفه عندما تجمع المارة حاولوا أن يفكوا هذا الاشتباك وحاول محمد أن يستعطف بطرس تارة ويهدده تارة وظل الموقف مشتعل حتى حضر الحاج عبد الرحمن وكان معروفاً عنه القوة والأمانة فحكم لمحمد بأخذ أمواله من بطرس وعندما لم يجد لديه أموال قام بتسديدها من أمواله الخاصة بعد أن قام بأخذ ورق ضد بطرس حتى لا يتلاعب مرة أخري – من كان يشاهد ذلك الموقف كان يقول أن تلك المشكلة انتهت إلي الأبد ولكن من يعلم ما حدث بعدها لقال أن تلك المشكلة هي بداية مرحلة تاريخية في صعيد مصر.
بعد تلك المشكلة بدأت تطفوا إلي السطح بوادر فتنة طائفية فهناك فلان ألقبطي أخذ أموال من فلان المسلم أو العكس تماماً حتى حدث ما لم يتحمله أهالي الصعيد عندما رفع أحد سكان القرية الأقباط النقاب عن وجه امرأة مسلمة عندها اشتعلت الدنيا وبدأت حرب الفتنة الطائفية التي تحولت بعد ذلك إلي حرب داخلية ما بين الحكومة من جهة والمسلمين من جهة أخري عندما تحولت الداخلية إلي دروع حماية للأقباط لأنهم قلة من سكان تلك البلدة واستمرت تلك الحرب ليعود حميدة من بعد فترة تدريب ليجد تلك الحرب قائمة , كانت الحرب الطائفية اشتعلت , ومن وراءها ظهرت حرباً أخرى أعظم وأشد منها عنفاً , بين الشرطة من جه والجماعات التي كانت تتخذ من الإسلام ستاراً لها من جهة أخرى , والأقباط من جهة ثالثة , في تلك المرحلة زادت حوادث أغتيالات أصحاب محلات الذهب وسرقتهم , كما التهب الموقف في الشوارع وأعلنت حالة الطوارئ , وأصبحت المدينتين الصغيرتين كما لو كانتا في حرب داخلية , في ذروة كل هذه الأحداث كان حميدة يقف مترقباً في قسم ديروط ماسكاً بيده سلاحه في برج من الأبراج التي انتشرت بجوار القسم لحمايته , وفي ليلة من ليالي الصعيد قاحلة السواد وقفت سيارة "أجرة" وخرج منها مجموعة من الملثمين ... وفي لحظات أشتعل الموقف ... طلقات نارية تدوي في أرجاء المكان , أنتفض كل من كان بالقسم الأصوات تتعالي من الملثمين "الله أكبر ... الله أكبر" انتابت القسم حالة من الفوضى , العساكر والضباط في حالة ذعر من أثر المفاجأة , كادت أن تحدث كارثة محققة لولا حدوث مفاجأة أذهلت الجميع .
لم يكن عمرو أكثر حظاً من صديقه حميدة , حميدة ذهب إلي مدينته ديروط , وعمرو كانت مدينته ملوى هي محل عمله , الفرق بينهما هو اختلاف طبائع الشابين التي تجلت وظهرت عندما بدءا عملهما , الأوضاع في البلدتين متشابهتين , الإرهاب يملئ زراعات القصب , الحوادث تحدث يومياً , حظر التجوال يخنق المواطنين من السادسة مساء , الأحوال الاقتصادية للمدينتين انهارت , لاحظ عمرو شيئاً غريباً يحدث كلما ذهبوا في مأمورية يكون على رأسها الرائد محمد عنابة , كان يحدث أشياء غريبة , كانوا كلما ذهبوا للقبض على مجموعة من الإرهابيين وجدوا أثارهم ولم يجدوا أي شخصاً للقبض عليه وكل ما يجدوه مجموعة من الأسلحة القديمة أخذوها وعادوا سعداء بعودتهم أحياء وازدادت أكتاف الرائد بالنياشين وازدادت غرفته بالتكريم , زاد الشك في صدر عمرو الذي كان أخلص العساكر وأقربهم قرباً لقلب الرائد , كان عمرو شديد الذكاء والدهاء , أستمع يوماً لمكالمة غريبة للرائد , كان يذكر فيها دائماً , "أميري , أميري" لم يلاحظ الرائد وجود عمرو على مقربة منه , كذلك لم يبدي عمرو أمام الرائد أي أهمية لما سمع , وبعدها بدأ عقل عمرو في العمل حتى يستفيد من هذه المعلومة التي طبقت ما كان يفكر فيه من دلائل على خيانة هذا الرائد , وبعدها بدأ يرتب كيفية الاستفادة من كل هذا , ظل يتتبع الرائد أينما ذهب حتى عرف عنه بأنه عميلاً مزدوجاً بين الحكومة من جهة والجماعات الإرهابية أخري , حافظ عمرو على صمته , وحاول التقرب إلي هذا الرائد إلى أن جاء اليوم الذي شعر عمرو بأن اللحظة الحاسمة قد حانت للبوح بما يخبئه وعرض طلباته التي تخيل أن الرائد سيوافق عليها لخوفه من الفضيحة , جمع عمرو شجاعته وقال والعرق يتساقط على جبهته
"محمد بيه ... أنا عاوز أشتغل معاكم..."
نظر إليه الرائد نظرة متفحصة , وصمت للحظات ليراقب فيها انفعالات عمرو , وبعد لحظات وببرود أجاب :
"تشتغل معانا فين يا روح أمك ... أنت ما شغال في القسم ... عاوزني أشغلك في بيت أبويا؟"
أرتجف عمرو من نظرة الرائد الحادة إليه , ولكن جراءته جعلته يتم ما بدء قائلاً :
"أنا عرفت كل حاجة , عنك يا بيه , وعن الجماعة اللي بدقون , وعاوز أساعدك"
نظر إليه الرائد نظرة قاسية , وأخرج سلاحه , وفي لحظات كان صوت طلق ناري يدوي في أركان القسم ...
المفاجأة كانت كبيرة ولكن حميدة كان يقظاً , عندما رأى السيارة أمام القسم , سقط بجسده داخل البرج المخصص له , وبعدما استمع إلى الطلقات النارية نظر إلي خارج البرج بحذر لم يجد أحد , قام باستخدام "اللاسلكي" الخاص به لطلب العون وقفز من برجه , وتسلل إلي داخل القسم , نظر إلى عددهم , كانوا ثمانية , منتشرين داخل القسم , كان لا يفرق بينهم شيئاً , جميعهم بجلابيبهم البيضاء , ولحياهم الطويلة , شعر بانقباض في صدره , ظل يسأل نفسه "من هؤلاء وكيف يختبئون في الدين بهذا الشكل" كادت أفكاره أن توقع به ولكنه أفاق وفي ثوان لملم شتات ذهنه , وقرر أن هجومه على هؤلاء يعني موته , هناك اثنان أمامه مباشرة , وواحد ربما كان أميرهم يستتر خلف حائط , كان يسمه جيداً وهو يأمر هذا ويوجه هذا , أيقن وقتها أن القبض على هذا الشخص هو نهايتهم جميعاً ,الوقت يمر بسرعة غريب , وهؤلاء الأشخاص يحاولون سرقة السلاح , قام حميدة بخطف أقربهم إليه وقام بضربه وخلع عنه جلبابه ولبسه , وتسلل بينهم حتى وصل إلى زعيمهم وقبض على رقبته وصرخ قائلاً :
"أوقفوا الضرب ... أميركم في أيدي ... أوقفوا الضرب هقتلوا لو مبطتلوش"
كانت المفاجأة قوية على كل الموجودين صرخ الرجل الذي في قبضة حميدة
"وقفوا الضرب ... واتركوني واهربوا ... هيا أعانكم الله"
توقف الضرب , وهم الرجال بالهرب , ولكن في لحظات حضرت القوات المساندة وقبضت عليهم , بعدها أصبح حميدة اسماً تناقلته الصحف , وأصبحت التكريم شيئاً عادياً لديه حتى وصلت بالتكريمات إلى وزير الداخلية الذي كرمه في حفل أذيع بالنشرات الرسمية , كما تم تريقته ونقله في أحد المعتقلات ليبدأ خطوات جديدة من حياته الأمنية , كل هذه الأمور لم تخرج حميدة من حالة الحزن التي شعر بها بعدما علم بخبر مقتل صديقه عمرو , شعر برغبة في الكتابة , لم يحبها يوماً , لم يشعر يوماً برغبة في الكتابة كما شعر الآن , أحضر ورقة وقلماً وبدأ في كتابة خطاباً إلى والده وبدأ خطابه قائلاً
"أبي وأمي الغاليين ... بوي أنا حاسس بتعب كبير في الشغلانة دي يا بوي , أنا من يوم ما جيت المعتقل ده وانا بقيت زي الوحش يا بوي ... صاحبي مات يا بوي , موته الظابط علشان كشفه وعرف أنه خاين ... يا بوي عمرو كان قايلي أنه كشفه وعرفه على حقيقته القذرة , يا بوي أنا عاوز أسيب الشغلانة المقرفة دي يا بوي ... يا بوي الظابط إللي قتل عمرو أتنقل على نفس المعتقل اللي أنا فيه , يا بوي خايف يكون مصيري خاين أو مقتول غلط زي عمرو ... يا بوي أنت دخلتني في دايرة ومش هقدر أخرج منها , ربنا يسامحك يا بوي..............................حميدة"
شعر حميدة بارتياح بعد كتابة هذا الخطاب , سمع صوتاً ينادي عليه , خرج مسرعاً حتى أنه نسي ما كتبه على سريره وخرج يلبي النداء....
محمد عنابة , من يرى ما أنجزه في سنه الصغير هذا لتأكد من تفوق هذا الشاب الذي في سنوات معدودة أصبح من أهم رجال الداخلية , تاريخه حافل بالإنجازات كم من الشبكات الإرهابية التي كشفها , كانت جميع عملياته تتم دون أي إراقة للدماء , لم يلوث تاريخ الرجل سوى حادث مقتل المجند "عمرو التوني" الذي قال بعده بأنه قتل خطأ جراء قيامه بتنظيف سلاحه الخاص , كان ما يظهر منه يدل وبشكل قاطع على أخلاصه ووفائه لعمله وللنظام , هذا عن الجزء المعلن عن حياة الرائد , أما إذا تتبعنا تفاصيل حياته فأننا سنجد تناقضات بالجملة , والده لواء , حازم جداً , ولكنه كان منفتحاً جداً في تربية طفله الوحيد , كان للطفل الذي صار شاباً بمضي الأيام كل شيئاً متاح , ما يريده أوامر تطاع من أول أشارة له , ظل الشاب يعبث في الحياة كما يشاء يقابل هذه , ويضاجع تلك , الحياة لم تكن له سوى لعب وجنس ورياضة التي كانت الشيء الوحيد الذي يجبره والده عليها , كان الشاب يشعر بالرغم من كل هذا أن هناك شيئاً ينقصه , كان يشعر بحنين للصلاة كلما مر أمام مسجد , حتى جاءت اللحظة التي رغب في التخلص من ذلك الإحساس , الأذان يعلوا , قلبه يشعر بأن راحته في الدخول إلي المسجد , عندما حطت قدمه المسجد شعر براحة لم يشعر بها من قبل , وبرغبة صادقة في البكاء , ترك الدموع تنساب على وجهة الصغير , حاول الوضوء , ولكنه لا يعلم كيف يتوضأ , نظر إلى من حوله في خجل وبدأ يقلدهم حتى انتهى من وضوءه , خرج للصلاة , ولكن كيف يصلي , انتابته حاله من البكاء , لاحظه رجلاً ملتحي , سأله بصوتٍ حنون
"ماذا يبكيك يا فتى"
كان السؤال هو البداية وإجابة الشاب لم تكن هي النهاية لقد قص الشاب على الشيخ كل شيئاً عنه وأخبره الشيخ أن لكل البشر أخطاء وأن طريق الصلاح يأتي بالعمل , وبدأ الشيخ والشاب علاقتهما التي امتدت كل هذا الزمان حتى أصبح رائداً في الشرطة وأصبح الشيخ منظم الجماعة وأميرها , ظل يفكر فيما فعله طوال حياته , هو لم يفعل أخطاء جسيمة طوال حياته , وكان الشيخ دائماً يقنعه بأن ما يفعلوه هو الصحيح لتخليص الناس من النظام الكافر , كان مؤمناً بما يفعله , واثقاً من النصر , لم يشعر بالندم إلا عندما قتل عمرو , كان ندمه بعيداً تماماً عن ذنبه بالقتل لأن عمرو جزء من هذا النظام , ولكن ندمه كان لمعرفة عمرو بما ظل في طي الكتمان كل هذه السنين , كان مسافراً في بحر الذكريات حتى سمع دقات خفيفة على الباب فأذن لمن بالخارج في الدخول , وما هي إلا لحظات بعدما دخل السائل وبعدها تحول الرائد إلى وحش من وحوش الغابة
يتبع.........................................................................................................................
ملحوظة
أنا أتقبل النقد بصدر رحب أنقدني كما تشاء لأن كل نقد لك يرفعني درجة